ــ يا أيمن
ــ ياعم أيمن
ــ يا أستاذ أيمن
تتعالى النداءات باصوات المرضى المستغيثة بوهن أحيانا يسرع إليهم، تطمئنهم طلته كأنه يحمل بين يديه طوق النجاة.. يمارس مهمته بإتقان وتفان يذهل من يتابعه لأول مرة.. أما من إعتاد التردد على معهد الأورام لتلقى علاجه الكيماوى، فلن يكون غريبا عليه مايفعله الممرض أيمن.. ما إن يستغيث به أحدهم حتى يهرع إليه بإبتسامته البشوشة، يلبى طلبه على الفور بدون تلكؤ أو تململ أو بلادة حس، تلك التى يمارسها البعض ممن يمارسون نفس مهنته بعدما اعتادوا على صرخات الألم، وتردد شبح الموت كثيرا، متربصا بالأجساد الوهنة حتى ينال من أحدها أو أكثر.
لم يُلِن الإعتياد من همة ونشاط أيمن، ولم يستطع شبح الموت المتربص أن يخدش تفاؤله، ولم تفتت علامات الإرهاق المرسومة بوضوح على وجهه من محاولاته الدءوب أداء واجبه لخدمة المرضى على أكمل وجه.
ليس همه قدر من مال يغدقه أهالي المرضى عليه، لا ينتظر يدا ممدودة بسخاء أو حتى باقل القليل يدفعها البعض طلبا لرعاية افضل، كما يتفنن ويتعمد بعض الممرضين، فحال البسطاء من المرضى المترددين على المعهد يبعد تماما شبهة أى تفكير فى مغنم أو مطمع.. لذلك تتجلى إنسانية أيمن وأمثاله فى مثل هذه الأماكن.
ملاك للرحمة هو بالفعل الوسم الذى يستحقه، يؤدى واجبه بتفان نادر دون انتظار لمكافأة أو زيادة أو "إكرامية"، يوقن أن مهنته مقدسة إنسانية.. وأن الثواب الذى يستحقه لو أداها بإتقان لاينتظره من البشر ولكن من رب الكون.
ـــ يا أيمن
كأنها كلمة السر، مفتاح الحياة، اليد التى تحمل بين طياتها مفتاح النجاة والشفاء وتخفيف الألم.. يدرك كل مريض حجم التعب الذى ينتظره من بداية يومه حتى إنتهاء جلسة الكيماوي.. ساعات من التعب والملل والانتظار والألم.. رحلة طويلة للانتهاء من اعتماد الأوراق المطلوبة وكشف الأطباء وصرف الأدوية وإنتظار ساعات أخرى لحين تحضير الجرعة المناسبة لحالة المريض، تعقبها ساعات أخرى لتناول الجرعة تنتهى بأجساد متعبة متثاقلة، تتحامل بصعوبة لتضع اقدامها على الأرض، وتحتاج لمجهود مضاعف حتى تستعيد توازنها، أو على الأدق قدرا من توازنها يعينها على الخروج.
حيرة العقول المرهقة لاتقل عن حالة تلك الأجساد.. دوامة من المفاجآت يحملها المرض اللعين، لعبة شيطانية يمارسها بإقتدار، ما إن يتوهم أحدهم الشفاء والانتصار على المرض.. ما إن تظهر نتائج التحاليل تقدما ملحوظا يبشر بالخير، ما إن يتعافى الجسد ويستعيد قدرا من حيويته ونشاطه حتى يكشر الخبيث عن أنيابه، فينقلب الحال فجأة.. يتبدل الفرح بالحزن والأمل باليأس والتفاؤل بالإكتئاب.
حالة من الاضطراب تمزق الروح قبل الجسد، تحتاج ليد حنون تربت عليها برفق، تطمئنها، تبث فيها الأمل، تزرع فيها التفاؤل، تعينها على تحمل الآلام بنفس راضية مطمئنة.
ـــ يا أيمن
كأنه يقرأ كل رسالة تطلقها فى صمت تلك الأجساد المثقلة، كأنه يفك شفرة تلك النظرات المنكسرة اليائسة، كأنه يعرف قدر إنكسار الروح المعذبة.. يسرع ليحيل الألم بسمة، والانكسار تحديا، والوهن قوة.. يوزع إبتسامته بسخاء على الجميع.. يداعب ذاك ويواسى تلك ويطلق أمام ثالث بعضا من كلمات نظمها شعرا عفويا حسب وصفه يتغنى فيها بحب البلد ويطلق صوته الجهورى مدعيا الغضب من رابع لم يلتزم بتعاليمه فكاد يتلف جرعة الكيماوى.. يثبت "الكانيولا" بسرعة فى يد مستغيث طالب الرحمة وسرعة تلقى العلاج بعدما أنهكته دوامة الإنتظار.. وينزع "أخرى" من يد مريض أخذ يتمتم بالحمد بعدما انتهت جلسة الكيماوى فى ذلك اليوم الشاق.. يودع الجميع أيمن بينما تتمتم ألسنتهم بالدعاء له: "ربنا يجبر بخاطرك يا أيمن عبد المجيد إبراهيم".. يصرون على الاسم الثلاثى أملا فى إستجابة سريعة يغدقها الرحمن الرحيم على واحد من ملائكته على الأرض.
ـــ يا أيمن
تشجعك عفويته على التواصل، تساله عن مشاكله.. يدهشك رده كما يدهشك ثباته..
ــ معنديش مشاكل.. أنا لو حد ضايقنى مبشتكيش.. با أرفع إيدى للسما وأقول "حسبى الله" وهو فعلا حسبى وكفى به وكيلا.
تساله عن أحلامه فيزيدك دهشة
ـــ الستر والرضا والصحة.. كل يوم رسالة من ربنا بيحملها ليا مع كل مريض يتألم .. رسالة وأمانة تجعلنى دوما فى رضا بينما أؤدى مهنتي.. ربنا نعمه عليا كثير، وسخرنى لخدمة الناس ولا آمل فى أجر إلا منه.. الحمد لله.
اللهم كثر من أمثاله عسى أن تتبدل أحوال هذا البلد.. فيجد شعبه حقا من يحنو عليه.
----------------------------
بقلم: هالة فؤاد